للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: ١٥٠]، وقوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: ٣٧] ونحو ذلك من النصوص المانعة من خوف غير الله تعالى، وهو المستفيض على ألسنة الجمهور، وهذه النصوص محمولة على خوف غير الله تعالى المانع من فعل واجب أو ترك محرم، أو خوف مما لم تجر العادة بأنه سبب للخوف؛ كمن يتطير بما لا يخاف منه عادة، كالعبور بين الغنم يخاف لذلك أن لا تقضى حاجته بهذا السبب، فهذا كله خوف حرام.

ومما ورد في هذا الباب وقلَّ أن يتفطن له قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: ١٠] فمعنى هذا التشبيه في هذه الكاف قَلَّ مَنْ يُحَقِّقَهُ وهو قد ورد في هذا الباب في سياق الذم والإنكار، مع أن فتنة الناس مؤلمة وعذاب الله مؤلم، ومن شبه مؤلمًا بمؤلم كيف ينكر عليه هذا التشبيه، وَمَدْرَكُ الإنكار بَيِّن وهو أن الله تعالى وضع عذابه حاثًّا على طاعته، وزاجرًا عن معصيته، فمن جعل أذية الناس حاثة على طاعتهم في ارتكاب معصية الله تعالى، وزاجرة له عن طاعة الله تعالى فقد سوَّى بي عذاب الله وفتنة الناس في الحث والزجر، وشبه الفتنة بعذاب الله تعالى من هذا الوجه، والتشبيه من هذا الوجه حرام قطعًا، مُوْجِب للتحريم، واستحقاق الذم الشرعي، فأنكر على فاعله ذلك، وهو من باب خوف غير الله المحرم، وهو سر التشبيه ها هنا، وقد يكون الخوف من غير الله تعالى ليس محرمًا؛ كالخوف من الأسد، والحيات، والعقارب، والظلمة.

وقد يجب الخوف من غير الله تعالى كما أُمِرْنَا بالفرار من أرض الوباء، والخوف منها على أجسامنا من الأمراض والأسقام، وفي الحديث: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" (١). فصون النفس،


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، باب: الجذام (٥/ ٢١٥٨)، برقم (٥٣٨٠)، ولفظه: =