للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طير أو حيوان، فيبني على هذه الرؤية فعلًا أو تركًا، ولا شك في حرمة هذا النوع من الخوف.

القسم الرابع: خوف طبيعي مشترك وجوده بين كل البشر، بل يوجد في غير البشر من سائر الحيوان، فطر الله عليه النفس الحية، وهو خوف من الأسباب العادية التي جعل الله فيها ما يخاف ابن آدم منه، كأنه يخاف من النار أن تحرقه، أو يخاف من السبع أن يعدو عليه، أو من العقرب أن تلدغه، أو أن يخاف من ذي سلطان وغلبة وقهر أن يعتدي عليه ونحو ذلك مما يخاف منه عادة، فهذا النوع من الخوف الطبيعي لا يُنقص الإيمان؛ لأنه مما جبل الله جل وعلا الخلق عليه. وهو خوف ليس معه تأله للمخوف ولا تعظيم له، ولا صرف لصفتي القدرة والمشيئة لغيره سبحانه، وليس فيه تفريطًا في واجب، أو فعلًا لمحرم، وإنما هو خوف بدافع الجبلة عند شعورها بقدوم شر وأذى، أو بفقد خير ونعمة، وحكمه الجواز.

القسم الخامس: خوف وهمي خيالي لا حقيقة له، ولا أساس له في الواقع، وإنما هو مجرد وساوس وخيالات وحديث نفس، فهذا مما لا ينبغي التمادي والاسترسال معه، ويجب قطعه والتعوذ بالله منه؛ فإنه من صفات الأنفس الضعيفة، التي اتصفت بالجبن والخور، وليس من صفات أهل الإيمان والتوحيد والاعتصام بالله تعالى؛ فإن من خاف الله حق الخوف لم يخف بعده أحدًا، ومن لم يخفه أخافه من كل شيء، وما خاف أحدٌ غير الله إلا لنقص خوفه من الله (١).

يقول الإمام القرافي: مبينًا حالات الخوف من حيث الجواز والمنع: "الفرق الخامس والستون والمائتان: بين قاعدة الخوف من غير الله تعالى المحرم وقاعدة الخوف من غير الله تعالى الذي لا يحرم: ورد قوله تعالى: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: ١٨]، وقوله تعالى: {فَلَا


(١) انظر: بدائع الفوائد (٢/ ٤٦٣)، ومجموع الفتاوى (١/ ٩٤).