للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القسم الثالث: الخوف العملي: وهو الخوف من غير الله المؤدي إلى ترك الواجب، أو فعل المحرم بدافع الهوى والشهوة، وبدون عذر شرعي، فهذا النوع من الخوف ينافي كمال التوحيد الواجب، وهو في حكم الشرك الأصغر؛ وذلك لأن ترك الواجب وفعل المحرم خوفًا من ذم الناس، ومن ترك مدحهم له فيه تعظيم وتقديم لخوف الناس على خوف الله تعالى، ومن آثر خوف الناس على خوف الله فقد دخل بابًا من الشرك (١).

وذلك كمن يترك ما يجب عليه من الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بغير عذر إلَّا لخوف من الناس، فهذا محرم، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} [آل عمران: ١٧٥]، وهو الذي جاء فيه حديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكم نَفْسَهُ إِذَا رَأَى أَمْرًا للهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالًا فَلَا يَقُولُ بِهِ فَيَلْقَى اللهَ وَقَدْ أَضَاعَ ذَلِكَ فَيَقُولُ مَا مَنَعَكَ فَيَقُولُ خَشِيتُ النَّاسَ. فَيَقُولُ أَنَا كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى" (٢).

ويدخل في هذا النوع المحرم الخوف مما لم تجر العادة بكونه سببًا للخوف، فهذا نوع من الشرك الأصغر أيضًا؛ كمن يتطير ويتشاءم برؤية


(١) انظر: فتح الحميد في شرح كتاب التوحيد، لعثمان بن منصور (٣/ ١٤٠٢)، والتمهيد بشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (ص ٣٦٩).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٩١)، برقم (١١٨٨٦)، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢/ ١٣٢٨)، برقم (٤٠٠٨)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ١٦٠) عقب ذكره الحديث: "ورواته ثقات"، وقال الكناني في مصباح الزجاجة (٤/ ١٨٢): "هذا إسناد صحيح"؛ ومعناه كما قال الإمام أحمد بن حنبل: "وهذا فيمن يتركه خشية ملامة الناس وهو قادر على القيام به"، وقال الإمام ابن رجب بأنه محمول: "على أن يكون المانع له من الإنكار مجرد الهيبة دون الخوف المسقط للإنكار". [شعب الإيمان للبيهقي (٦/ ٩٠)، وجامع العلوم والحكم (ص ٣٢٢)، وانظر: تيسير العزيز الحميد (ص ٤٠٧)].