للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالآخرة، كأن يخاف العبد من غيره سبحانه بأن لا ينفعه في الآخرة، فلأجل رغبته في نفعه له في الدار الآخرة، وأن يشفع له عند الله، وأن يقربه منه في دار الجزاء، وأن يبعد عنه عذاب جهنم خاف منه وصرف له هذه العبادة العظيمة (١).

ولا شك أن هذا خوف إذا تعلق بالله تعالى فهو أصل من أصول الإيمان، ومن أعظم واجبات الدين. وأما إذا تعلق بغير الله تعالى كان من أصول الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ لأنه شرك في هذه العبادة التي هي من أعظم أعمال القلوب.

يقول الشيخ سليمان آل الشيخ في هذا النوع من الخوف: "وهذا الخوف لا يكون العبد مسلمًا إلا بإخلاصه لله تعالى، وإفراده بذلك دون من سواه" (٢).

ولا شك أن هذا النوع إذا تعلَّق بالله استلزم فعل الطاعات والأوامر، وترك المنكرات والنواهي، ونتج عنه قسم آخر للخوف وهو:

القسم الثاني: وهو خوف الوعيد الذي توعد الله به العصاة، وهو الذي قال الله فيه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤)} [إبراهيم: ١٤]، وقال سبحانه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} [الرحمن: ٤٦]، وقال تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)} [الإنسان: ٧]، وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان، ونسبة الأول إليه كنسبة الإسلام إلى الإحسان، وإنما يكون محمودًا إذا لم يوقع في القنوط واليأس من روح الله، والتمادي في فعل المنكرات، فإذا وجد هذا الخوف المحمود في النفس، سكن القلب، واطمأن، وغلب عليه الفرح بنعمة الله، والرجاء لثوابه (٣).


(١) انظر: التمهيد بشرح كتاب التوحيد (ص ٣٦٩).
(٢) تيسير العزيز الحميد (ص ٤٠٧).
(٣) انظر: تيسير العزيز الحميد (ص ٤٠٧).