للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأعظمه يخرج من الدين بالكلية، ولا يبقى معه إيمان في القلب، وهو الذي يتضمن اعتقاد الخائف في المخوف بأن له القدرة التامة، والمشيئة النافذة؛ سواء عن طريق الاستقلال، أو عن طريق الكرامة لهم من الله لمكانتهم وقربهم منه سبحانه، والآية الكريمة نصت على أن هذا الخوف من لوازم الإيمان ومقتضياته.

قال البيضاوي: "فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "وقد أمر سبحانه بالخوف منه في قوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)}، فجعل الخوف منه شرطًا في تحقيق الإيمان، وإن كان الشرط داخلًا في الصيغة على الإيمان فهو المشروط في المعنى، والخوف شرط في حصوله وتحققه؛ وذلك لأن الإيمان سبب الخوف الحاصل عليه، وحصول المُسَبَّب شرط في تحقيق السبب، كما أن حصول السبب مُوْجِب لحصول مُسَبَّبِهِ، فانتفاء الإيمان عند انتفاء الخوف انتفاء للمَشْرُوط عند انتفاء شرطه، وانتفاء الخوف عن انتفاء الإيمان انتفاء للمعلول عند انتفاء عِلَّتِهِ فتدبره، والمعنى إن كنتم مؤمنين فخافوني ... فأداة الشرط قد دخلت على السبب المقتضي للخوف وهو الإيمان، وكل منهما مستلزم للآخر، لكن الاستلزام مختلف، وكل منهم منتف عند انتفاء الآخر، لكن جهة الانتفاء مختلفة كما تقدم، والمقصود أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه" (٢).

وقال أيضًا: "فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم" (٣).


(١) تفسير البيضاوي (٢/ ١١٨).
(٢) طريق الهجرتين (ص ٤٢٢ - ٤٢٣).
(٣) إغاثة اللهفان (١/ ١١٠).