للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتدفع البلاء عنهم قد اتخذوها أوثانًا من دون الله، وصاروا يظنون فيها ما يظنه أهل الأوثان في أوثانهم، فإنهم كانوا يرجونها، ويخافونها، ويظنون أنها تنفع وتضر؛ ولهذا قالوا لهود عليه السلام: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} فقال هود: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا} إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)} [هود: ٥٤ - ٥٦] " (١).

فظهر مما سبق من أدلة: حقيقة الخوف الذي أشرك به المشركون، وخوفوا به أنبياء الله ورسله، وهو الخوف الغيبي من الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها ويعتقدون فيها القدرة التامة، والمشيئة النافذة.

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله" (٢).

ثانيًا: النصوص الدالة على أن الخوف عبادة خاصة بالله تعالى، ولا يجوز صرفه لغيره سبحانه وتعالى، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد الذي في قلبه يكون خوفه من ربه تبارك وتعالى، وإذا انعدم الخوف بالكلية من القلب، تبعه الإيمان فلا يكون في القلب إيمان، فهما متلازمان، ومن تلك النصوص ما يلي:

١ - قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} [آل عمران: ١٧٥].

نهى الله تعالى في هذه الآية عن خوف غيره، وأمر بالخوف منه وحده، وهذا الأمر بالخوف منه وحده يدل على أن الخوف عبادة لله تعالى، ويجب أن لا يصرف إلا إليه سبحانه، بل جعله سبحانه من لوازم الإيمان ومقتضياته، وأما الخوف المحرم الممنوع فهو كما سبق على ضربين؛ أقله ما صرفك عن الطاعة وحملك على المعصية، وأكبره


(١) الرد على الأخنائي (ص ٥٦).
(٢) أضواء البيان (٦/ ٣٦٤).