للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله، وهي أقل شأنًا وأحقر منزلة من ذلك؛ فإنها ليست مما يرجى ويخاف، بل يكون ذلك الذي أصابني من قبل الحي الفعال الذي يفعل ما يشاء، الذي بيده الضر والنفع، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (١).

يقول الإمام الشوكاني في قول إبراهيم عليه السلام لقومه: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}: "قال هذا لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه، وتصيبه بمكروه؛ أي: إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع، {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}؛ أي: إلا وقت مشيئة ربي بأن يلحقني شيئًا من الضرر بذنب عملته، فالأمر إليه، وذلك منه لا من معبوداتكم الباطلة التي لا تضر ولا تنفع، ثم قال لهم مكملًا للحجة عليهيم، دافعًا لما خوفوه به: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}؛ أي: كيف أخاف ما لا يضر، ولا ينفع، ولا يخلق، ولا يرزق، والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله، وهو الضار النافع، الخالق الرازق" (٢).

وذلك لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر، والعطاء والمنع، بقدرته ومشيئته، وهذا هو الخوف الذي وقع فيه أهل الشرك مع معبوداتهم (٣).

٣ - وقوله تعالى عن نبيه هود وما ذكره له قومه من ذلك: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤)} [هود: ٥٤].

يقول الإمام ابن تيمية: "وهؤلاء الذين يعتقدون أن القبور تنفعهم


(١) انظر: الصواعق المرسلة (٢/ ٤٨٧)، والبداية والنهاية (١/ ١٤٣)، وإيثار الحق على الخلق، لابن الوزير (ص ٦٢ - ٦٣).
(٢) انظر: فتح القدير (٢/ ١٣٤).
(٣) انظر: التفسير الكبير (١٣/ ٤٨).