للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعزل لا سلاح معه، وربما كان عريانًا فيؤثر فيه هذا، ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة، وهي في أسرها وقبضتها، تسوقها حيث شاءت، ولا يمكنها الامتناع عنها، ولا مخالفتها" (١).

ويقول الشيخ الشنقيطي نقلًا عن ابن القيم في شأن الشيطان: "الله لم يجعل له عليهم سلطانًا ابتداء البتة، ولكنهم هم الذين سلَّطوه على أنفسهم بطاعاته، ودخولهم في حزبه، فلم يتسلط عليهم بقوة؛ لأن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} [النساء: ٧٦] " (٢).

فالخوف من الجنّ إذا كان خوف سر، وهذا هو غالب الخوف من الجن، فإنه يدخل في خوف العبادة؛ لأن الخائف يعتقد فيهم النفع والضر، والحق أنها لا تملك لأحد نفعًا ولا ضرًا إلا أن يشاء الله، بل لو اجتمع الإنس والجن ما نفعوا أحدًا، وما ضروه بشيء لم يكتبه الله عليه، ولذا جاء في الحديث المشهور عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (قال كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فقال: يَا غلام إنِّي أُعلِّمُك كلماتٍ: احْفَظ الله يَحْفَظْكَ، احفَظ الله تجدْهُ تُجاهَكَ، إِذا سألتَ فَاسألِ الله، وإذا استَعَنْتَ فاستَعِنْ بالله، واعلمْ أَنَّ الأمَّةَ لو اجتمَعَتْ على أَنْ يَنْفعوكَ بشيءٍ لم يَنْفَعُوكَ إِلَّا بشيء قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، ولو اجتَمعُوا على أَنْ يَضرُّوكَ بشيء، لم يَضُرُّوكَ إِلَّا بشيءٍ قَدْ كَتبهُ الله عَليكَ، رُفِعَت الأَقلامُ، وَجَفّتِ الصُحف" (٣).


(١) زاد المعاد في هدي خير العباد (٤/ ٦٩).
(٢) أضواء البيان (٢/ ٤٤٥).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند (١/ ٢٩٣)، برقم (٢٦٦٩)، والترمذي في جامعه (٤/ ٦٦٧)، برقم (٢٥١٦)، وقال عقبه: "حديث حسن صحيح"، وأبو يعلى في مسنده (٤/ ٤٣٠)، برقم (٢٥٥٦)، وحسَّن الإمام الصنعاني إسناد الإمام أحمد، والحديث صححه الشيخ الألباني. [انظر: سبل السلام (٤/ ١٧٥)، ومشكاة المصابيح حديث رقم (٥٣٠٢)].