للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستقلة، فإنه من الشرك الأكبر الذي يكفر به صاحبه؛ فإن الله تعالى جعل للجن إذنًا كونيًا عامًا في الوسوسة القلبية لبني آدم فحسب، ولم يأذن لهم كونًا في إيصال الأذى إلى بني الإنسان، فذلك فوق قدرتهم، والله تعالى لم يمكنهم من ذلك، ولو مكنهم وأذن لهم كونًا في أذية بني آدم بما يريدون لما سلم منهم حتى الأنبياء والرسل، ولقتلوهم عن بكرة أبيهم، وخربوا ديارهم وأفسدوا أموالهم.

لكن قد يأذن الله لبعض الجن إذنًا كونيًا خاصًا في أذية بعض بني آدم عقوبة منه، أو ابتلاء، أو غير ذلك لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى (١).

يقول ابن حزم: "فصح أن الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه" (٢).

ويقول الإمام ابن تيمية: "بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحدًا؛ فإن من لا يخاف الله أذل من أن يخاف؛ فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه، وإذا قيل: قد يؤذيني، قيل: إنما يؤذيك بتسليط الله له، وإذا أراد الله دفع شره عنك دفعه، فالأمر لله، وإنما يسلط على العبد بذنوبه، وأنت إذا خفت الله فاتقيته وتوكلت عليه كفاك شر كل شر، ولم يسلطه عليك فإنه قال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ١٣]، وتسليطه يكون بسبب ذنوبك وخوفك منه، فإذا خفت الله، وتبت من ذنوبك، واستغفرته لم يسلط عليك" (٣).

ويقول الإمام ابن القيم: "وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر، والتعاويذ، والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل


(١) انظر: التفسير الكبير للرازي (١/ ٧٥)، و (٧/ ٧٨).
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٥/ ١٠).
(٣) مجموع الفتاوى (١/ ٥٨).