للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثًا: أن السؤال والطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله يستلزم الوقوع في أنواع أخرى من الذل، والخضوع، والافتقار إلى غيره سبحانه، إضافة إلى الرجاء والرغبة الملازمة لمثل هذه الأحوال، وخوفه من عدم الاستجابة له، ولا شك أن صرف مثل هذه الأمور لغير الله هو من أعظم الشرك وأشنع الكفر؛ لأنها من أعظم العبادات القلبية.

يقول الشيخ سليمان آل الشيخ في شأن السؤال من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله: "ولأن من خصائص الإلهية إفراد الله بسؤال ذلك، إذ معنى الإله هو الذي يعبد لأجل هذه الأمور، ولأن الداعي إنما يدعو إلهه عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك هو خلاصة التوحيد، وهو انقطاع الأمل مما سوى الله، فمن صرف شيئًا من ذلك لغير الله فقد ساوى بينه وبين الله، وذلك هو الشرك، ولهذا يقول المشركون لآلهتهم وهم في الجحيم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} [الشعراء: ٩٧، ٩٨] " (١).

ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: "يوضح هذا: أن ما لا يقدر عليه إلا الله من الأمور العامة الكلية لهداية القلوب، ومغفرة الذنوب، والنصر على الأعداء، وطلب الرزق من غير جهة معينة، والفوز بالجنة، والإنقاذ من النار، ونحو ذلك غاية في القصد والإرادة، فسؤاله وطلبه غاية في السؤال والطلب، وفي ذلك من الذل، وإظهار الفاقة، والعبودية ما لا ينبغي أن يكون لمخلوق، أو يقصد به غير الله، وهذا أحد الوجوه في الفرق بين دعاء المخلوق فيما يقدر عليه من الأسباب العادية الجزئية، وبين ما تقدم، مع أن سؤال المخلوق قد يحرم مطلقًا" (٢).


(١) تيسير العزيز الحميد (ص ١٩٣).
(٢) تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس (ص ١١٦).