كمن استغاث بأصم وناداه كي يغيثه من الغرق أو الحرق مثلًا فلم يسمعه ولم يغثه، فليس في مقدوره سماعه ولا إغاثته، وكمن سأل من يسمعه وطلب منه إغاثته من الغرق، والمسؤول لا يحسن السباحة، فهو غير قادر على تحقيق ما طلب منه، فكل ذلك لا يعتبر فيه السائل والطالب واقعًا في الشرك؛ لأن جنس هذه الأمور مما يستطيعه البشر، وإن كان هذا المسؤول المعين لا يقدر عليه.
وعليه فالضابط الأول هو الأدق والأولى؛ وذلك أن ما لا يقدر عليه إلا الله مطلقًا هذا لا يمكن أن يفعله مخلوق بحال، في أي زمان، ولا أي مكان، وسيأتي فيما بعد التفريق بين حال الأحياء وحال الأموات بالنسبة للسؤال والطلب.
يقول الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله- مبينًا الفرق بين الضابطين في مسألة الاستغاثة: "أما قول من قال من أهل العلم: إن الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه، فإن هذا يَرِدُ عليه أن ثَمَّة أشياء قد يكون المخلوق في ظاهر الأمر قادرًا عليها، ولكنه فى الحقيقة لا يقدر عليها، لكن هذا الضابط غير منضبط؛ لأن من وقع في شدة كغرقٍ -مثلًا- وتوجّه لرجل يراه بأن يغيثه فقال مخاطبًا إياه: أستغيث بك، أستغيث بك، أستغيث بك، وذاك لا يحسن السباحة، ولا يحسن الإنجاء من الغرق، فهذا يكون قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، فهل يكون شركًا أكبر؟! لا يكون منه؛ لأن الإغاثة من الغرق ونحوه يصلح -في الغالب- أن يكون المخلوق قادرًا عليها، فيكون الضابط الثاني هو الصحيح، وهو أن يقال: الاستغاثة بغير الله شرك أكبر إذا كان قد استغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، أما إذا استغاث به فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين، لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء المعين، فإنَّه لا يكون شركًا أكبر؛ لأنه ما اعتقد في المخلوق شيئًا لا