للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصلح إلا لله جل جلاله" (١).

ثانيًا: حرمة التوجه بالدعاء والسؤال للأموات في قبورهم؛ لأنَّهم لا يقدرون على قضاء الحاجات، وكشف الملمات، وتفريج الكربات، حتى ما كانوا يستطيعونه في الدنيا هم الآن عاجزون عنه شرعًا وعقلًا، وليس في مقدورهم، بل حتى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- مع ما له من المكانة العظيمة العالية عند ربه سبحانه وتعالى، وأنه سيد ولد آدم، وصاحب المقام المحمود، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وما أعطاه الله عز وجل من العطايا الجزيلة في الدنيا والآخرة، وكونه حيًّا في قبره حياة برزخية هي أفضل من حياة الشهداء، فمع كل هذه الفضائل والمنن فلا يجو دعاؤه ولا سؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله من أمور الدنيا والآخرة، وحتى ما كان يستطيعه في الدنيا فلا يطلب منه بعد موته.

يقول الإمام ابن تيمية: "وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قُدِّرَ أنهم يدعون للأحياء، وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم، وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته فإنَّه لا يفضي إلى الشرك؛ ولأن ما تفعله الملائكة، ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته، فإنَّه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم" (٢).

ويقول الإمام الشوكاني: "وكذلك من صار يطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه؛ فإن هذا مقام رب العالمين الذي خلق الأنبياء، والصالحين، وجميع المخلوقين، ورزقهم،


(١) التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص ١٧٩).
(٢) مجموع الفتاوى (١/ ٣٣٠ - ٣٣١).