للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحياهم، ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه، غير قادر عليه، ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق، الرازق، المعطي، المانع، وحسبك بما في هذه الآية موعظة؛ فإن هذا سيد ولد آدم، وخاتم الرسل، يأمره الله بأن يقول لعباده: لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملكه لغيره، وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه فضلًا عن أن يملكه لغيره" (١).

فلا يوجد أي فرق بين سؤال الحي ما لا يستطيعه وبين التوجه بنفس السؤال للميت؛ وذلك لأن الميت انقطع عن الحياة فصار لا يستطيع فعل ما كان يفعله وهو حي يرزق من السعي والحركة؛ وعليه يكون سؤاله والطلب منه في هذه الحال من الشرك الأكبر.

يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مبينًا ذلك: "فإن الأسباب العاديَّة التي يستطيعها الإنسان في حياته تنقطع بموته، كما دلَّ عليه الحديث (٢)، وبذلك تصير ملحقة في الحكم والشرع بما لا يستطيعه في حياته؛ كهداية القلوب، وشفاء المريض، وإنبات النبات، وطلب الذرية؛ فلا فرق بين قول الرجل للمسيح بعد رفعه: أعطني كذا وكذا من القوت ونحوه، وقوله: اهدِ قلبي، اغفر ذنبي، وقد تقدَّم أن قول النصارى: (يا والدة المسيح اشفعي لنا عند الإله) شرك بإجماع المسلمين؛ ولو طلب منها في حياته أن تشفع بالدعاء والاستغفار، كما كان يفعله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه لم يمنع من ذلك" (٣).

ويقول الشيخ ابن سحمان: "لا يجوز لأحد أن يعتقد أن الأحياء


(١) انظر: فتح القدير (٢/ ٤٤٩ - ٤٥٠)، (٣/ ٥٩).
(٢) المقصود حديث: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة".
(٣) مصباح الظلام (ص ٣٩٠).