للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله، فإن اعتقاد ذلك شرك، وإذا كان الأحياء لا يقدرون على شيء من ذلك، فالأموات بطريق الأولى، وإنما يجوز من الحي طلب الدعاء منه، والاستغفار، والتوسل بدعائه وشفاعته، إذ هو قادر على ذلك، وأما الميت فقد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلًا لمن استغاث به، أو دعاه، أو سأله أن يشفع له، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" (١)، وهذا يدل على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان، فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرف في ذاته، فضلًا عن غيره، فإنما عجز عن حركة نفسه، فكيف يتصرف في غيره؟.

وأما الأحياء القادرون على الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية، في قتال، أو إدراك عدو، أو دفع سبع صائل، وغيره، فهذا لا مانع منه، وهذا ليس في قدرة الأموات: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: ٢٢]، ومن سوَّى بينهما فقد جمع بين ما فرق الله بينه، وكفى بذلك عتوًّا وعنادًا" (٢).

ثالثًا: حرمة سؤال الهداية من غيره سبحانه وتعالى؛ أي: هداية التوفيق، أما هداية البيان فهي في مقدور البشر من الأنبياء وأهل العلم، فهم يهدون الناس بعلومهم ومعارفهم بما يبلغونهم من العلم والهدى، ومن الكتاب العظيم والسُّنَّة المطهرة، أما هداية القلوب بجعل الهدى والنور فيها، وإخراج الزيغ والضلال منها، فهذا لا يستطيعه إلا الله وحده.

وعليه فمن اعتقد في مخلوق القدرة على إيجاد الهداية في قلوب الخلق، أو سألها من غيره سبحانه معتقدًا قدرته على ذلك فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام.


(١) سيأتي تخريجه: انظر: (ص ٨٥٦).
(٢) الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق، لابن سحمان (ص ٥٥٥ - ٥٥٦).