للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا شك أن هداية البيان والإيضاح هي من أعظم الطرق والذرائع للوصول إلى هداية التوفيق والاستقامة على الهدى، والبعد عن الضلال، وعليه يمكن القول بأن الأنبياء والرسل وأهل العلم هم السبب الموصل إلى هداية التوفيق والإيمان، أما نفس خلق التوفيق والهدى في القلوب فلا يقدر عليه حتى الأنبياء والرسل فضلًا عن غيرهم من أهل العلم والصلاة.

يقول الإمام ابن تيمية: "وأما جعل الهدى في قلوب العباد فهو إلى الله تعالى لا إلى الرسول كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦]، وقال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: ٣٧] " (١).

ويقول رَحمه الله أيضًا: "وأما حصول الهدى في القلب فهذا لا يقدر عليه أحد باتفاق المسلمين؛ سنيهم وقدريهم؛ لأن أحدًا لا يستطيع أن يهدي القلوب، ويخلق الهدى فيها غير الله. أما أهل السُّنَّة فيقولون: إن الاهتداء الذي في القلب لا يقدر عليه إلا الله، ولكن العبد يقدر على أسبابه، وهو المطلوب منه" (٢).

رابعًا: سؤال أهل العلم -رحمهم الله- لا يدخل في السؤال المحرم الممنوع، بل قد يكون سؤالهم فرض واجب وحتم لازم لا محيص عنه، وقد أمر الله تبارك وتعالى به في قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣]، فسؤال العلماء فيما افترضه الله تعالى من الواجبات، وما نهى عنه من المحرمات من أوجب الأمور؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبيان ذلك:

أن سؤال أهل العلم ليس فيه خضوع أو ذلة للمسؤول، بل فيه


(١) مجموع الفتاوى (١/ ٣٠٨).
(٢) تلخيص كتاب الاستغاثة (١/ ٤٣٦)، وانظر: مجموع الفتاوى (١/ ٣٢٩).