للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا الله وحده، وأنه يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، وكذلك الاستغاثة لا تكون إلا بالله، والتوكل لا يكون إلا عليه: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٢٦]، فالنصر المطلق وهو خلق ما يغلب به العدو لا يقدر عليه إلا الله" (١).

سادسًا: ومن فروع القاعدة أن من سأل الطبيب البرء من مرضه معتقدًا قدرته على ذلك كان واقعًا في الشرك بالله العظيم؛ لأنه سأله شيئًا لا يقدر عليه إلا الله، أما البرء والشفاء فهو من عند الله سبحانه وتعالى، ولكن الله قد شرع له أسبابًا، ومنها الطبيب المعالج، والدواء الناجع، فالأطباء أسباب، ويوصلون بقدرة الله إلى أسباب من وصف الأدوية المناسبة للداء، أما حقيقة خلق البرء، وإيجاد الشفاء فهو بيد الله تعالى.

يقول ابن حزم: "مسألة ولا تجوز مشارطة الطبيب على البرء أصلًا؛ لأنه بيد الله تعالى لا بيد أحد، وإنما الطبيب معالج، ومقو للطبيعة بما يقابل الداء، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية قوة الداء، فالبرء لا يقدر عليه إلا الله تعالى ... فإن أعطي شيئًا عند البرء بغير شرط فحلال؛ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخذ ما أعطي المرء من غير مسألة" (٢).

سابعًا: طلب الدعاء ممن يظن فيه الخير والصلاح جائز ولا دخل في سؤال المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؛ لأنه لم يطلب منه سوى الدعاء وهذا شيء يستطيعه ويقدر عليه، وأما تحقيق مطلوب السائل واستجابة الدعاء فهذه إلى الله تعالى.

يقول الإمام ابن تيمية: "وَذَلِكَ أَنَّ الْمَخْلوقَ يَطْلُبُ مِنْ الْمَخْلُوقِ مَا يَقْدِرُ المَخْلُوقُ عَلَيْهِ، والْمَخْلُوقُ قَادِرٌ عَلَى دُعَاءِ اللهِ وَمَسْأَلَتِهِ، فَلِهَذَا كَانَ طَلَبُ الدُّعَاءِ جَائِزًا كَمَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْإعَانَةَ بمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالْأَفْعَالَ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا. فَأَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ إِلَّا


(١) مجموع الفتاوى (١/ ٣٧٥).
(٢) المحلى، لابن حزم (٨/ ١٩٦).