للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليها التوكل الشركي، ومن تفويض الأمور إليها، وما يتبع ذلك من الخوف والمحبة والرجاء، وغير ذلك من العبادات القلبية.

ولزيادة التوضيح في معنى القاعدة لا بد من التقديم بمقدمة تبيّن أصل مسألة الأسباب، ومعرفة الموقف الشرعي منها، فيقال:

لا يخفى أن الله خلق هذا العالم، وجعل له سننًا كونية لا تتغير ولا تتبدل إلا أن يشاء الله تعالى ذلك، كما قال سبحانه: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠]، ومن تلك السُنن الكونية أن جعل لكل شيء سببًا، وربط بين المسببات والأسباب، وبين النتائج والمقدمات، إذ هو خالق الأسباب والمُسَبَّبَات، فهو خالق للسبب وجعله مؤثرًا ومنتجًا للمُسَبَّب، وإن كان السبب لوحده لا يوجب المُسَبَّب، بل لا بد أن يضم الله إليه أمورًا أخرى، وأن يدفع عنه آفات كثيرة، وأنه قد يخلق المسبب بدون السبب، إذ ليس في الكون ما يستقل بإحداث شيء إلا مشيئة الله تعالى وقدرته، فهو سبحانه وتعالى الوحيد الذي يستقل بإحداث الأشياء بخلق أسبابها، وقد يحدثها بغير أسباب سوى مشيئته سبحانه (١).

يقول الإمام ابن تيمية: "ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء هو وحده علة تامة، وسبب تام للحوادث؛ بمعنى أن وجوده مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا مشيئة الله تعالى خاصة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وأما الأسباب المخلوقة كالنار في الإحراق، والشمس في الإشراق، والطعام والشراب في الإشباع والإرواء، فجميع هذه الأمور سبب لا يكون الحادث به وحده، بل لا بد أن ينضم إليه سبب آخر، ومع هذا فلهما موانع تمنعهما عن الأثر، فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع، وليس في المخلوقات واحد يصدر عنه


(١) انظر: جامع الرسائل (١/ ١٥٢).