للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحده شيء" (١).

والأسباب التي جعلها الله تعالى منتجة لمسبَّباتها منها ما هي أسباب كونية، ومنها ما هي أسباب شرعية دلَّ الشرع الحكيم على كونها أسبابًا، وأمر بها؛ فمن أعظم الأسباب الشرعية الموصلة إلى رضوان الله وجنته الإيمان بالله تعالى وإفراده بالعبادة، وعدم الإشراك به، والتوكل عليه، والإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطاعته، والإيمان بالقرآن وكونه كلامه منه بدأ وإليه يعود، فهذه أعظم الأسباب التي ينال بها العبد رحمة الله ومغفرته ورضوانه.

أما في الأمور الكونية فقد جعل الله جل وعلا بعض الأمور أسبابًا منتجة لمسبَّباتها، فمن ذلك أنه جعل الماء منبتًا للزرع، قال عَزَّ وجل: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)} [ق: ٩]، وجعل سبحانه الولد مسببًا عن النكاح بين الرجل والمرأة وحصول الوقاع بينهما فتحمل به بإذن الله. كما أنه سبحانه جعل الماء العذب سببًا كونيًا لإزالة العطش، بخلاف الماء المالح فلم يجعله سببًا كونيًا لإزالة العطش. وجعل النار سببًا للإحراق، وجعل في الماء خاصية إطفاء النار، وهكذا.

وخلقه سبحانه وتعالى للأسباب وتأثيراتها ونتائجها من المُسَبَّبات من أعظم النعم التي أنعم بها على بني الإنسان (٢)؛ لتستقيم حياتهم، وأمرهم بمعالجة هذه الأسباب والعمل بها، سواء الكونية أو الشرعية للوصول إلى نتائجها ومسبباتها، مع الاعتماد التام على خالق السبب والمسبب وهو الرب تبارك وتعالى، فإنَّه هو الذي جعل هذه الأسباب تنتج المسبَّبات.

مع ملاحظة أنه يشترط في الأخذ بالأسباب الكونية أن تكون مشروعة، أما إذا كانت محرمة فلا يجوز تعاطيها وإن ثبتت سببيتها


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٣).
(٢) انظر: شفاء العليل (ص ٣٧).