للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأثيرها وإنتاجها للمسبب؛ وذلك كالتداوي بالمحرمات فإنه لا يجوز لمنع الشرع من ذلك وإن ثبت نفعه وتأثيره.

وخلاصة الأمر أن من الأسباب ما ينتج المسبَّب كونًا، ومنها ما لا ينتجه، فإذا كان ينتج المسبب كونًا وذلك حسب العادة والعرف، فينظر بعد ذلك في إباحته الشرعية، فإنْ أَباحته الشريعة فهو سبب شرعي وقدري، وإذا لم تبحه كان سببًا كونيًا، كالتداوي بالمحرمات، وليس بسبب شرعي فهذا النوع لا يجوز تعاطيه شرعًا.

وإذا كان السبب لا ينتج المسبب كونًا وقدرًا فمثله لا يأتي الإذن به شرعًا، فلا يجوز تعاطيه (١).

ومما ينبغي معرفته أن يعلم أن الأسباب لا تؤثر أصلًا بنفسها، وإنما تأثيرها بتقدير الله أن يرتب عليها مسبباتها، وأنها لا تنفع ولا تضر بذاتها، ولا تؤثر بنفسها، بل الأسباب ومسبباتها تحت مشيئة الله سبحانه، والله تعالى هو الذي أودع في الكون الأسباب والمسببات التي قام بها الخلق والأمر، وهو الذي خلق من الأسباب ما خلق به المسببات (٢).

يقول الإمام ابن تيمية: "وأما إثبات الأسباب التي لا تستقل بالأثر، بل تفتقر إلى مشارك معاون، وانتفاء معارض مانع، وجعلها مخلوقة لله، فهذا هو الواقع الذي أخبر به القرآن، ودل عليه العيان والبرهان؛ فإن ذلك مما يبين أنه ليس في المخلوقات ما يستقل بمفعول من المفعولات" (٣).


(١) وذلك كمن يعلق خيطًا لدفع العين مثلًا؛ إذ ليس في الخيط سببية دفع العين لا حسًّا ولا كونًا ولا أُذن في ذلك شرعًا؛ كمن يعلق التمائم التي هي طلاسم أو خرزات أو جلد فكل ذلك لا أثر له قدرًا وكونًا، وهو غير مأذون به شرعًا، بل هو من الشرك الأصغر.
(٢) انظر: تفسير البيضاوي (١/ ٣٧٣).
(٣) درء التعارض (٩/ ٣٤٨)، وانظر: الصفدية (١/ ٢٢٢)، وتلخيص كتاب الاستغاثة =