للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول أيضًا: "فمعلوم أن السبب لا يستقل بالحكم، فمجرد نزول المطر ليس موجبًا للنبات، بل لا بد من أن يخلق الله أمورًا أخرى، ويدفع عنه الآفات المانعة فيربيه بالتراب والشمس والريح ويدفع عنه ما يفسده، فالنبات محتاج مع هذا السبب إلى فضل من الله أكبر منه" (١).

فالأسباب الكونية أو الشرعية مؤثرات، ولكن تأثيرها ناقص، لا يحصل المسبب بها وحدها، وإنما المؤثر التام هو إرادة الله الكونية القدرية، ومشيئته النافذة فإن المراد لا يتأخر عنهما أبدًا.

يقول الإمام الشاطبي: "إذ كان واجبًا على كل مؤمن أن يعتقد أن الأسباب غير فاعلة بأنفسها، وإنما الفاعل فيها مسببها سبحانه؛ لكن عادته في خلقه جارية بمقتضى العوائد المطردة، وقد يخرقها إذا شاء لمن شاء، فمن حيث كانت عادة اقتضت الدخول في الأسباب، ومن حيث كانت الأسباب فيها بيد خالق المسببات اقتضت أن للفاعل أن يفعل بها وبدونها" (٢).

والقاعدة نصت على أن من اعتقد في فاعلية الأسباب وتأثيرها بذاتها بدون مشيئة الله وقدرته النافذة، كان مشركًا الشرك الأكبر السالب للإيمان بالكلية، وذلك كحال عباد الأصنام وعباد القبور الذين يعتقدون أنها تنفع وتضر استقلالًا، وهذا عام في جميع الأسباب سواء كانت كونية أو شرعية.

أما من تعاطى الأسباب بدون اعتقاد فيها، وأنها لا تؤثر بذاتها، ولكنه اعتمد عليها واطمأن لها بدون التفات إلى خالقها وخالق أثرها كان


= (١/ ٤٢٦)، وشفاء العليل (ص ٣٧)، ومنهاج التأسيس والتقديس، للشيخ عبد اللطيف (ص ٢٠٥).
(١) جامع الرسائل، لابن تيمية (١/ ١٤٦).
(٢) الموافقات (١/ ٢٠٦ - ٢٠٧).