للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الوجود من المخلوقات، ومن أفعال العباد، وأعمالهم الظاهرة والباطنة كلها إنما حصلت بإيجاد الله تعالى وإحداثه.

فهو سبحانه وحده المتفرد بالخلق والإيجاد، والإبداع والتصوير، وقد نص على هذا الدليل في أكثر من موضع كما في قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١)} [الأنعام: ١٠١] فنص على أنه خلق كل شيء بما في ذلك الأسباب ومسبباتها (١).

فكيف بعد ذلك يسند الإبداع والإيجاد، وهما من خواص الإلهية إلى أعجز شيء وأهونه وهو الأسباب، فالقرآن الكريم يرسخ هذا الدليل في آياته التي تبحث عن الخلق والإيجاد، ويقرر أن لا مؤثر إلا الله وحده، فالأسباب لا تأثير لها تأثيرًا حقيقيًا، وإنما هي أسباب مُدَبَّرَة ومُصَرَّفَة بخلق الله لها، وجعلها مؤثرة إذا شاء ذلك سبحانه وتعالى (٢).

والحاصل أن هذا الأصل -أعني: اختصاصه سبحانه بالخلق والإبداع والتدبير والتصريف دون ما سواه- هو من أعظم أصول الإسلام وأجلها، والقاعدة العظمى التي تدور عليها جميع الأحكام، وجميع القرآن من أوله إلى آخره يدل على هذا الأصل ويقرره، وقد احتج به تعالى على وجوب عبادته وطاعته، وأنه الإله الحق دون ما سواه (٣).

ثانيًا: حديث زيْدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِّيّ (٤) أنَّهُ قالَ: (صَلَّى لَنَا


(١) انظر: أضواء البيان (٨/ ٧٠).
(٢) انظر: حقيقة التوحيد لبديع الزمان النورسي (ص ١٧٣).
(٣) انظر: البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية، للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (٩٠).
(٤) هو: زيد بن خالد الجهني، مختلف في كنيته؛ فقيل: أبو زرعة، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو طلحة، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عثمان وأبي طلحة وعائشة، وروى عن ابناه خالد وأبو حرب، ومولاه أبو عمرة وغيرهم، وشهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، وحديثه في "الصحيحين" وغيرهما، مات =