للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- صلاةَ الصبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَماءٍ كانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فلمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فقال: "هَلْ تَدْرُونَ ماذَا قال ربُّكُمْ؟ " قالُوا: الله ورسولُهُ أعْلَمُ. قال: "أصْبَحَ مِنْ عِبَادي مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ فأمَّا منْ قالَ مُطِرْنا بفَضْلِ الله ورَحْمَتِهِ فذلِكَ مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ بالكوْكَبِ وأمَّا مَنْ قال مُطِرْنا بَنَوْءٍ كَذَا وكَذَا فذَلِكَ كافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ") (١).

قال الإمام الشافعي: "وأرى معنى قوله والله أعلم: أن من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله؛ لأنه يعلم أنه لا يمطر، ولا يعطي إلا الله عز وجل، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا، ولا يمطر، ولا يصنع شيئًا، فأما من قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا، ولا يكون هذا كفرًا، وغيره من الكلام أحب إليَّ منه" (٢).

ويقول الإمام النووي: "فاختلف العلماء في كفر من قال: مطرنا بنوء كذا على قولين؛ أحدهما: هو كفر بالله سبحانه وتعالى، سالب لأصل الإيمان، مخرج من ملة الإسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدًا أن الكوكب فاعل مدبر، منشئ للمطر، كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير


= سنة ثمان وسبعين بالمدينة وله خمس وثمانون. [ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (٢/ ٦٠٣)].
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صفة الصلاة، باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم (١/ ٢٩٠)، برقم (٨١٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: بيان كفر من قال مطرنا بالنوء (١/ ٨٣)، برقم (٧١)، من حديث زيد بن خالد الجهني.
(٢) الأم (١/ ٢٥٢)، وانظر: الاستذكار (٢/ ٤٣٨).