للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)} [الأنبياء: ٦٩]؛ إذ ما الفائدة في القول وهي ليس فيها قوة الإحراق، وإنما الإحراق منه تعالى بلا واسطة، ولو كان الأمر كما ذكروا لكان للنار أن تقول: إلهي ما أودعتني شيئًا، ولا منحتني قوة، وما أنا إلا كَيَدٍ شلاء، صحبتها يد صحيحة تعمل الأعمال، وتصول وتجول في ميدان الأفعال؛ أفيقال لليد الشلاء: لا تفعلي وفي ذلك الميدان لا تنزلي، ولا يقال ذلك لليد الفعالة وهي الحَرِية بتلك المقالة" (١).

ثالثًا: تضمنت القاعدة بيان حكم من اعتقد في السبب بذاته دون مشيئة الله تعالى، وأن ذلك شرك أكبر في الربوبية والإلهية، وقد مضى بيان شيء من ذلك فيما سبق، والحاصل أن من اعتقد في الأسباب أو في غيرها من المخلوقات أنها فاعلة ومؤثرة بدون مشيئة الله وإرادته الكونية كان واقعًا في شرك الربوبية، وهو نسبة الخلق والإيجاد لغيره سبحانه وتعالى.

فإذا استقرت هذه العقيدة الشركية في القلب استلزمت أعمالًا قلبية أخرى؛ من التوكل والالتجاء والخوف والرجاء والرهبة والمحبة والطمأنينة لهذه الأسباب، وهذه من أعظم العبادات القلبية التي من صرفها لغير الله تعالى وقع في شرك العبادة.

فالالتفات إلى الأسباب شرك بالله تعالى؛ لأنه تضمن صرف العبادة لغيره سبحانه؛ من اعتماد القلب، ورجائه، والاستناد إلى غيره عز وجل؛ فإن وجد ذلك مع اعتقاد استقلالية تأثيرها في المسببات كان شركًا أكبر كما سبق بيانه.

واعلم أنه ليس في المخلوقات من يستحق هذا؛ لأنَّه لا يوجد سبب مستقل بمطلوب، بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه، وما ثَمَّ علة تامة إلا مشيئة الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا بد


(١) روح المعاني (١/ ١٩٠).