للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضًا من صرف الموانع والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود، فكل سبب فله شريك وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه ولم يصرف عنه ضده لم يحصل مُسَبَّبُه، فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له، والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى، ومجموع ذلك لا يفيده إن لم تصرف المفسدات، فلا يتم المطلوب إلا بوجود المقتضي وعدم المانع، وكل سبب معين فإنما هو جزء من المقتضي فليس في الوجود شيء واحد هو المقتضي بنفسه (١).

وعليه فلا يستقيم عقلًا ولا شرعًا صرف العبادة، أو الاعتقاد في مثل هذه الأسباب الناقصة الضعيفة التي لا تفي بالمطلوب لوحدها.

يقول الإمام ابن تيمية: "وإما أن يكون في المخلوقات علة تامة تستلزم معلولها، وسبب تام يستلزم مسببه فهذا باطل" (٢).

هذا ومما ينبغي أن يعلم أنه بعد انتفاء المانع ووجود المقتضي فلا بد من تسخير مسبب الأسباب وخالق الأسباب، فالرجاء يجب أن يكون كله للرب، والتوكل عليه، والدعاء له، فإنه إن شاء ذلك ويسره كان وتيسر ولو لم يشأ الناس، وإن لم يشأه ولم ييسره لم يكن وإن شاءه الناس (٣).

رابعًا: في القاعدة رد على الفلاسفة والطبائعيين الذين يعتقدون في الأسباب، وأنه لا يمكن تجريدها عن آثارها ونتائجها، فهي ليست عندهم مربوبة مسخرة، بل هي فاعلة منتجة بذاتها.

يقول الإمام ابن القيم: "فهكذا سائر أفعاله سبحانه، مع أنه أشهد


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٦٧).
(٢) المصدر السابق، وانظر: (٨/ ١٦٩ - ١٣٣)، وبيان تأسيس الجهمية (٢/ ٤٥٧).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٧/ ١٦٦).