عباده بذلك: أنه مسبب الأسباب، وأن الأسباب خلقه، وأنه يملك تعطيلها عن مقتضياتها وآثارها، وأن كونها كذلك لم يكن من ذاتها وأنفسها، بل هو الذي جعلها كذلك، وأودع فيها من القوى والطبائع ما اقتضت به آثارها، وأنه إن شاء أن يسلبها إياها سلبها، لا كما يقول أعداؤه من الفلاسفة والطبائعيين وزنادقة الأطباء: أنه ليس في الإمكان تجريد هذه الأسباب عن آثارها وموجباتها.
ويقولون لا تعطيل في الطبيعة، وليست الطبيعة عندهم مربوبة مقهورة تحت قهر قاهر، وتسخير مسخر يصرفها كيف يشاء، بل هي المتصرفة المدبرة، ولا كما يقول من نقص علمه ومعرفته بأسرار مخلوقاته، وما أودعها من القوى والطبائع والغرائز، وبالأسباب التي ربط بها خلقه وأمره، وثوابه وعقابه، فجحد ذلك كله ورد الأمر إلى مشيئة محضة، مجردة عن الحكمة والغاية، وعن ارتباط العالم بعضه ببعض ارتباط الأسباب بمسبباتها، والقوى بمحالها، ثم المحذور اللازم من إنكار الفاعل المختار، الفعال لما يريد بقدرته ومشيئته فوق كل محذور، فإن القائل بذلك يجعل هذه الشرور بأسرها لازمة له لزوم الطفل لحامله، والحرارة للنار ولا يمكنه دفعها" (١).