للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن تيمية: "إذ المخلوق لا يملك شيئًا يشارك فيه الخالق، كما قد ذكرناه في قوله: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} [الزخرف: ٨٦]: أن هذا عام مطلق؛ فإن أحدًا ممن يدعى من دونه لا يملك الشفاعة بحال، ولكن الله إذا أذن لهم شفعوا من غير أن يكون ذلك مملوك لهم" (١).

ولزيادة التوضيح والبيان لمعنى القاعدة فإن الاستشفاع وهو طلب الشفاعة يكون على ثلاث أحوال:

الحالة الأولى: طلب الشفاعة في الدنيا ممن هو حي حاضر وقادر على أداء الشفاعة، وتكون الشفاعة فيما أباحه الله ورضيه لا فيما حرمه ومنعه، والشافع سائلٍ وداعٍ قد تقبل شفاعته بما له عند المُشَفِّع من المكانة والمنزلة والجاه وقد ترد، وهذه الشفاعة شاملة لأمور الدنيا والآخرة، وقد يكون المشفوع إليه هو الله تعالى وقد يكون غيره، فهذا مما أمر الله به أو أباحه (٢).

الحالة الثانية: طلب الشفاعة في الدنيا من الميت، أو من الحي الغائب، سواء كان موضوع الشفاعة يتعلق بأمر دنيوي، أو بأمر أخروي: فهذه هي الشفاعة الشركية، وهي شفاعة المشركين وقد أبطلها القرآن ونفاها في غير ما موضع، ولذا لم يثبت عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- ولا


(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ٣٩٧).
(٢) يقول العز بن عبد السلام فيما يتعلق بمصالح الشفاعات الدنيوية ومقاصدها: "وأما الشفاعات، فمصالحها للشافعين أخروية إذا قصدوا بذلك وجه الله عز وجل، وأما المشفوع لهم فإن كانت الشفاعة في أمر دنيوي فهي دنيوية وسيلتها خير منها، وإن كانت أخروية كمن يشفع [في] تعليم علم، أو إعانة على عبادة من العبادات؛ كالجهاد والحج فهي للمشفوع له أخروية، وأجر المشفوع إليه أفضل من أجر الشافع؛ لأن الشافع مسبب، والمشفوع إليه مباشر، والمقاصد أفضل من الوسائل". [الفوائد في اختصار المقاصد للعز بن عبد السلام وهو المسمى بالقواعد الصغرى (ص ٦٠)، وما بين المعقوفتين لعله سقط وهي زيادة يقتضيها السياق].