للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن تابعيهم، ولا عن أحد من سلف الأمة أنه دعا ميتًا أو غائبًا أو طلب منه الشفاعة.

ومن المعلوم بداهة أن طلب الشفاعة من أحد يلزم منه علم الشافع بهذه الشفاعة، ثم أداؤها، والميت أو الغائب إذا اسْتُشْفِعَ به فإنه لا يعلم بهذه الشفاعة، ولا يستطيع أداءها بحكم موته أو غيبته، وعليه فإن الشفاعة باطلة من أساسها (١).

الحالة الثالثة: طلب الشفاعة يوم القيامة، وهذه على ضربين:

أحدهما: شفاعة مثبتة وهي شفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين والشهداء وهي جائزة ونافعة إذا تحققت فيها شروط قبول الشفاعة وهي: إذنه سبحانه للشافع أن يشفع وللمشفوع له أن يشفع فيه (٢)، ثم رضاه عز وجل عن الشافع والمشفوع له (٣).


(١) والذي يطلب الشفاعة من الميت فإنه يعتقد علم الميت بحاله وسماعه لكلامه، وقدرته على أداء الشفاعة وتحقيق ما طلبه منه، ولا شك أن الميت ليس بوسعه فعل كل ذلك، ولذا بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - انقطاع الأعمال عن الميت إلا ما استثناه - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". [أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، (٣/ ١٢٥٥)، رقم (١٦٣١)].
يقول الشيخ عبد الله أبا بطين في حديث انقطاع عمل الميت: "فدل على أن هذه الأشياء التي يطلبها المشركون من الأموات من قضاء حوائجهم أو الدعاء لهم ونحو ذلك التي هي أعمال صالحة من الحي قد استحال وجودها من الميت، فطلبها منه طلبٌ مستحيل لعجزه حسًّا، فلا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا". [تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس (ص ٨٩)، وانظر: البراهين الإسامية (ص ٦٦)].
(٢) يقول الإمام ابن كثير: "وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة". [تفسير ابن كثير (١/ ٣١٠)].
(٣) هذا هو الذي حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الإذن والرضا كلاهما يتعلق بالشافع والمشفوع له، خلافًا لمن قصر الإذن على الشافع، والرضا عن المشفوع له. =