للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: الشفاعة المنفية وهي التي يتخلف عنها أحد شرطي الشفاعة المثبتة، هذا النوع من الشفاعة غير واقع أصلًا، وإنما شيء تخيله المشركون في أذهانهم المنكوسة، وإلا فمن الذي يتجرأ في ذلك اليوم العصيب أن يتقدم ويتكلم ويخاطب رب العزة بدون إذنه سبحانه، بل قال سبحانه في شأن الملائكة: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)} [النبأ: ٣٨].

وجملة القول أن الشفاعة إما أن تكون دنيوية يطلبها المستشفع في الدنيا، وإما أن تكون أخروية تطلب في الآخرة، والقاعدة دلت على أن الشفاعة ملك لله تعالى مطلقًا في الدنيا والآخرة، وأما كون طلبها ورجائها من غير الله أو من غير من أذن له شرك فهذا خاص بالحالة الثانية وهي طلب الشفاعة من الميت، أو من الحي الغائمب، الذي ليس


= يقول الإمام ابن تيمية: "وذلك أنه سبحانه قال: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩)} [طه: ١٠٩] والشفاعة: مصدر شفع شفاعة، والمصدر يضاف إلى (الفاعل) تارة، وإلى (محل الفعل) تارة، ويماثله الذي يسمى لفظه (المفعول به) تارة، كما يقال: أعجبني دق الثوب، ودق القصار، وذلك مثل لفظ العلم، يضاف تارة إلى العلم، وتارة إلى المعلوم، فالأول كقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، ونحو ذلك. والثاني: كقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: ٣٤]، فالساعة هنا معلومة لا عالمة، وقوله حين قال فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١)} [طه: ٥١] قال موسى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)} [طه: ٥٢]، ومثل هذا كثير. فالشفاعة مصدر لا بد لها من شافع ومشفوع له، والشفاعة تعم شفاعة كل شافع وكل شفاعة لمشفوع له، فإذا قال: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} [طه: ١٠٩]: نفى النوعين شفاعة الشفعاء والشفاعة للمذنبين فقوله: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ}: يتناول النوعين؛ من أذن له الرحمن ورضي له قولًا من الشفعاء، ومن أذن له الرحمن ورضي له قولًا من المشفوع له، وهي تنفع المشفوع له فتخلصه من العذاب، وتنفع الشافع فتقبل منه، ويكرم بقبولها، ويثاب عليه، والشفاعة يومئذٍ لا تنفع لا شافعًا ولا مشفوعًا له {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)} [النبأ: ٣٨]، فهذا الصنف: المأذون لهم، المرضي قولهم، هم الذين يحصل لهم نفع الشفاعة وهذا موافق لسائر الآيات". [مجموع الفتاوى (١٤/ ٣٩١ - ٣٩٢)].