للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مقدوره أداء الشفاعة، والله تعالى لم يأذن لنا في دعاء الأموات ولا غيرهم إلا هو سبحانه، فقال عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)} [الجن: ١٨]، ومن المعلوم أن طلب الشفاعة من الله تعالى دعاء وهو عبادة فلا يجوز صرفها لغيره سبحانه وتعالى.

ولذلك قسَّم -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشفاعة إلى قسمين، فقال رحمه الله: "والشفاعة شفاعتان؛ شفاعة منفية؛ وشفاعة مثبتة: فالشفاعة المنفية، هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله (١)؛ والدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)} [البقرة: ٢٥٤]، والمثبتة: هي التي تطلب من الله فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ والشافع: مكرم بالشفاعة؛ والمشفوع له: من رضي الله قوله وعمله، بعد الإذن" (٢).

وأما طلبها في الآخرة ممن أذن له، أو في الدنيا من الأنبياء والصالحين حال حياتهم وحضورهم فهذا جائز لا منع فيه.


(١) يقول الإمام ابن تيمية: "وتفصيل القول أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، ويحسن خلقه، ويزكى نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ، سواء كان حيًا أو ميتًا: اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولا اشف مريضي، ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقًا كائنًا من كان فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه ... وأما ما يقدر عليه العبد: فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة وقد تكون منهيًا عنها". [مجموع الفتاوى (٢٧/ ٦٧ - ٦٨)].
(٢) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (٢/ ٢٤)، [وانظر: القواعد الأربع ضمن مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (٦/ ١٤٥)].