المناظرة والجدال، والذي نجزم به وندين هو ما أفصح به النور المبين، وذلك أن الحكم مختلف باختلاف الحال، في صدور السؤال والمقال:
فما كان في حياته عليه الصلاة والسلام فليس إلى منعه من سبيل، لورود النص فيه والدليل، ولا يلزم على ذلك وقوع المحذور، وحاشا أن يُقِرَّ أحدًا على محظور، فقد سأله الشفاعة من أصحابه جماعة (١)، ولو كان سؤالها في حياته شركًا لسدَّ بابه، بل لم تسأل ذلك الصحابة، فلا ريب في جواز ذلك ولا إشكال، وليس للمقال فيه مجال.
وأما بعد موته - صلى الله عليه وسلم - فهو مما لا سبيل إليه، والطرق دونه مسدودة، وما يتشبث به المخالف للصواب من موضوعات الأدلة وضعافها مردودة، لا تقاوم قواطع النصوص، ولا تعارض براهين المنع المنصوص على استواء العموم في ذلك والخصوص.
وحاصل التحقيق في إيضاح هذه الطريق أن نقول:
اعلم أن الشفاعة كالاستغاثة محض حق لله تعالى، لا خلاف فيه بين أهل الحق في ذلك، ولا نزاع، ولا عبرة بخلاف أهل الزيغ والابتداع،
(١) سؤال الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - الشفاعة والدعاء في حال حياته وحضوره لا يكاد يحصر أو يحصى، ومن ذلك: قول عكاشة بن محصن - رضي الله عنه - في السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب: (ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال: اللَّهُمَّ اجعله منهم) صحيح البخاري (٥/ ٢١٨٩)، برقم (٥٤٧٤)، وصحيح مسلم (١/ ١٩٨)، برقم (٢١٨)، وكقول أم سليم: (يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له قال اللَّهُمَّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) صحيح البخاري (٥/ ٢٣٣٦)، برقم (٥٩٨٤)، وصحيح مسلم (١/ ٤٥٧)، برقم (٦٦٠)، وقول والد عبد الله بن بسر - رضي الله عنه -: (ادع الله لنا، فقال: "اللَّهُمَّ بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم") صحيح مسلم (٣/ ١٦١٥)، برقم (٢٠٤٢)، وقول المرأة التي كانت تصرع وتتكشف: (فادع الله لي قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها) صحيح البخاري (٥/ ٢١٤٠)، برقم (٥٣٢٨)، وكقول أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة إسلام أمه صحيح مسلم (٤/ ١٩٣٨)، برقم (٢٤٩١)، وغير ذلك كثير.