للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)} [سبأ: ٢٢، ٢٣].

وهذه الآية قطعت أصول الشفاعة الشركية، إذ نفت ملك الآلهة المعبودة لشيء من ذرات الكون لا استقلالًا ولا مشاركة ولا معاونة، ولم تبق إلا الشفاعة فبيّن الله أنها لا تنفع إلا من بعد إذنه سبحانه ورضاه (١).

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن غير الله لا يستقل بفعل شيء البتة، ... فغير الله لا مالك لشيء، ولا شريك في شيء، ولا هو معاون للرب في شيء، بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة والأنبياء والصالحين، ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع، وأن يأذن للمشفوع له أن يُشْفَع له، ومن دونه لا يملكون الشفاعة البتة" (٢).

وقال رحمه الله أيضًا: "وأما في الملك فلا يمكن أن يكون غيره مالكًا لها، فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال، ولا يتصور أن يكون نبي فمن دونه مالكًا لها، بل هذا ممتنع كما يمتنع أن يكون خالقًا وربًّا، وهذا كما قال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)} فنفى الملك مطلقًا، ثم قال: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} فنفى نفع الشفاعة إلا لمن استثناه، لم يثبت أن مخلوقًا يملك الشفاعة، بل هو سبحانه له الملك وله الحمد، لا شريك له في الملك ... ولهذا لما نفى الشفعاء من دونه نفاهم نفيًا مطلقًا بغير استثناء، وإنما يقع الاستثناء إذا لم يقيدهم بأنهم من دونه ... فلما قال: {مِنْ دُونِهِ}


(١) انظر: تيسير العزيز الحميد (ص ٢٢٦).
(٢) مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٠٥)، وانظر: (٧/ ٧٧)، و (٨/ ٥١٩ - ٥٢٠).