للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودعاء المسألة دلت النصوص الشرعية على أنه عبادة، كما في حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ"، وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، إلى قوله: {دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠] (١).

فإذا ثبت كون الدعاء بنوعيه عبادة صح أن يتوجه الأمر أو النهي إليهما جميعًا؛ لأن الله لا يأمر إلَّا بما هو عبادة يحبها ويرضاها، وحمل الأمر أو النهي على أحدهما دون الآخر تحكم بلا دليل، إذ كلاهما محبوب لله تعالى فتوجه إليها الأمر سواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب.

لكن قد يكون أحد المعنيين أظهر من الآخر، فهذا لا يعني أن حمله على الآخر يعد باطلًا، بل معناه حق وصواب وإن كان ظهوره ليس كالأول، وذلك إنما يصار إليه إذا كان في النص قرينة تقوي حمله على أحد المعنيين، فإذا لم يكن في الدليل النصي قرينة تحدد أحد المعنيين، تعين حمله على المعنيين جميعًا على السواء؛ لأن حمل النص على أحد المعنيين بدون دليل ولا برهان تحكُم في النص وذلك لا يجوز.

ثانيًا: الأدلة التي جاء فيها الأمر بدعاء الله وحده، والنهي عن دعاء غيره، أو فيها الثناء على الداعين فسَّرها أهل العلم بدعاء العبادة ودعاء المسألة، وفي بعضها نصوا على أن أحد المعنيين أظهر من المعنى


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٤/ ٢٦٧)، برقم (١٨٣٧٨)، وأبو داود في سننه، باب: الدعاء (٢/ ٧٦)، برقم (١٤٧٩)، والترمذي في جامعه (٥/ ٢١١)، برقم (٢٩٦٩)، وقال عقبه: "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح"، وأخرجه البزار في مسنده (٨/ ٢٠٥)، برقم (٣٢٤٣)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (١/ ٦٦٧)، برقم (١٨٠٢)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وصححه النووي في الأذكار (٣٠٩)، وقال الحافظ ابن حجر عقب ذكره للحديث: "أخرجه أصحاب السُّنن بسند جيد". [فتح الباري (١/ ٤٩)].