للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخر، مع اعتبار المعنى الآخر، وفيما يأتي بعض هذه النصوص وكلام أهل العلم في بيانها:

فمن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠].

يقول الإمام الطبري: "وقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}: يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس ادعوني لكم استجب؛ يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دون الأوثان والأصنام وغير ذلك أستجب لكم؛ يقول أجب دعاءكم، فأعفو عنكم وأرحمكم" (١).

وبعض أهل العلم فسر الدعاء بدعاء العبادة، وممن ذكر هذا البغوي حيث قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}؛ أي: اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم، فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإصابة استجابة" (٢).

وذكر الثعلبي معنى القولين ونسبهما إلى أكثر المفسرين حيث قال: " {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}؛ أي: وحدوني واعبدوني دون غيري أجبكم، وآجركم، وأثيبكم، وأغفر لكم. هذا قول أكثر المفسرين يدل عليه سياق الآية" (٣).

ويقول الإمام ابن تيمية: "ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}: فالدعاء يتضمن النوعين، وهو في دعاء العبادة


(١) تفسير الطبري (٢٤/ ٧٨)، يقول الإمام الشوكاني: "وكون الدعاء من العبادة لا يستلزم أن الإجابة هي القبول للدعاء؛ أي: جعله عبادة متقبلة، فالإجابة أمر آخر غير قبول هذه العبادة، والمراد أنه سبحانه يجيب بما شاء وكيف شاء، فقد يحصل المطلوب قريبًا، وقد يحصل بعيدًا، وقد يدفع عن الداعي من البلاء ما لا يعلمه بسبب دعائه، وهذا مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه". [فتح القدير (١/ ١٨٤)].
(٢) تفسير البغوي (٤/ ١٠٣).
(٣) تفسير الثعلبي (٨/ ٢٧٩).