للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دُونِ اللَّهِ} [الأحقاف: ٤]؛ أي: تعبدون، {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [الأعراف: ١٩٧]؛ أي: تعبدون وأمثاله؛ وذلك لأن العبد محتاج إلى الاستعانة بالله في كل الأفعال المأمورات، وفي ترك المحرمات، وفي الصبر على المقدورات ... فالعبد محتاج في مصالح دينه ودنياه، وكل ما لا يقدر عليه إلَّا الله منهما لا يجوز أن يسأل من غيره فلا يعبد إلَّا الله، ولا يتوكل إلَّا عليه، ولا يستعان إلَّا به، لأن ما سواه مفتقر إليه، مقهور بالعبودية، فكيف يصلح أن يكون معبودًا" (١).

وكون الدعاء في الأصل بمعنى النداء والطلب مما لا مرية فيه، كما قال الراغب: "الدعاء والنداء واحد، لكن قد يتجرد النداء عن الاسم، والدعاء لا يكاد يتجرد"، فلا يدخل في دعاء العبادة المستلزم لدعاء المسألة، كما أنه لا يدخل في دعاء المسألة المتضمن للعبادة، فليس كل مطلق دعاء يكون عبادة، فإدخال مطلق النداء في معنى العبادة من الترويج والتلبيس، بل نداء العبادة هو الطلب من غير الله جلب منفعة، أو دفع مضرة فيما لا يقدر عليه إلا الله، والمنادي في هذه الحال يكودن داعيًا وطالبًا وسائلًا (٢).

ويدحض الشيخ عبد الله أبا بطين شبهة التفريق بين الدعاء والنداء، وأن الطلب من الأموات والغائبين لا يسمى دعاء بل هو نداء، فيقول: "فيقال لهذا: تفريقك بين الدعاء والنداء تفريق باطل مخالف للكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة مع مخالفته اللغة، فقد سمى الله سبحانه سؤال عباده له دعاء ونداء، قال تعالى عن نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)} [القمر: ١٠]، وقال: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)} [الأنبياء: ٧٦]، فسماه في موضع دعاء


(١) التوضيح عن توحيد الخلاق (ص ٢٩٧ - ٢٩٨).
(٢) انظر: الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق (ص ٤٥١).