الأرض لا تكاد قلوبهم تخلوا من هذه الصفات القبيحة، التي حقيقتها أشنع الظلم، وأعظم الإجحاف، ومنتهى الإجرام، وعظيم التجني، وغاية الاعتداء على حق الملك الديان، مالك الملك، وخالق الكون، وموجد البرية من العدم، فأشرك مع الرب غيره في العبادة، وأدخل الوسائط بينه وبين معبوده الحق، فصار يدعوهم ويتوجه إليهم بأخص خصائص الإلهية، ومعاني الربوبية فخضع قلبه، وتعلق فؤاده، خوفًا ورجاء ومحبة وخضوعًا، وذلًا وإخباتًا في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله:"وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: ٤٣، ٤٤]، إلى أمثال ذلك مما في كتاب الله من الآيات التي فيها تجريد التوحيد وتحقيقه، وقطع ملاحظة الأغيار في العبادة، والاستغاثة، والدعاء، والمسألة، والتوكل، والرجاء، والخشية، والتقوى، والإنابة، ونحو ذلك مما هو من خصائص حق الربوبية التي لا تصلح لملك مقرب ولا نبي مرسل"(١).
وقد يدعي بلسان حاله وربما مقاله عدم أهليته للطلب من الله مباشرة، وأن الله لا يقبل دعاءه إلا بوساطة هؤلاء الأولياء وشفاعتهم فيه، أو أن الله لا يفعل حتى يجعل الولي يفعل، ولا يرحم حتى تجعله الوسائط يرحم، وربما اعتقد بعضهم أن الأولياء يشاركون الله تعالى تدبير الكون، ورعاية أحوال الخلق فيخبرونه جل في علاه بأهل الحاجات، وما أصاب بعضهم من المحن والبلايا فيجيب الله دعاءهم بسبب دعائهم لهذه الوسائط، ولا شك أن هذا من أعظم الهضم والتنقيص لعظمة الإلهية وقهر الربوبية مع ما تضمنه من إساءة الظن البالغة بمن اجتمع فيه غاية الكمال، ومنتهى الجلال، وعظيم الإحسان.