يبين الإمام ابن القيم رحمه الله وجه دلالة القاعدة في كون الشرك سوء ظن بالله جل جلاله فيقول:"فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم من وزير أو ظهير أو عون، وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك، وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة، أو لا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي عبده وحده، أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة، كما يشفع المخلوق عند المخلوق فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع، وانتفاعه به، وتكثره به من القلة، وتعززه به من الذلة، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه، كما هو حال ملوك الدنيا، وهذا أصل شرك الخلق.
أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم حتى يرفع الوسائط ذلك، أو يظن أن للمخلوق عليه حقًّا فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه، ويتوسل إليه بذلك المخلوق كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته، وكل هذا تنقص للربوبية، وهضم لحقها، ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى، وخوفه، ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه من قلب المشرك بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به، فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه ... فالشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه، والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى" (١).
ونقل كلامه مقررًا له الشيخ سليمان آل الشيخ فقال: بقوله: "وإنما كان ذلك هضمًا لحق الربوبية، وتنقصًا لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب
(١) إغاثة اللهفان عن مصائد الشيطان، لابن القيم (١/ ٦٢).