ثانيًا: ما دلَّ من النصوص على أن المشركين بسبب إشراكهم وعبادتهم لغيره سبحانه قد هضموا حق الربوبية، وتنقصوا عظمة الإلهية، فوصفوا الله تعالى بلسان حالهم أو مقالهم بما لا يليق بربوبيته جلَّ في علاه، فمن ذلك وصفهم لله سبحانه وتعالى بعدم العلم والجهل العظيم البالغ بعظمة الربوبية وجلال الإلهية؛ ومن تلك النصوص:
قوله سبحانه وتعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)} [يونس: ١٨]، فاتخاذهم للشفعاء من أعظم التنقص لعظمة الربوبية، واتهام لله تعالى -بلسان حالهم- بالجهل وعدم العلم، ولذا استنكر الله عليهم ذلك.
يقول الشيخ السعدي في معنى الآية:"أي الله تعالى هو العالم الذي أحاط علمًا بجميع ما في السموات والأرض، وقد أخبركم بأنه ليس له شريك، ولا إله معه، أفأنتم يا معشر المشركين تزعمون أنه يوجد لها فيها شركاء، أفتخبرونه بأمر خفي عليه وعلمتموه، أأنتم أعلم أم الله، فهل يوجد قول أبطل من هذا القول المتضمن: أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء أعلم من رب العالمين، فليكتف العاقل بمجرد تصور هذا القول، فإنه يجزم بفساده وبطلانه"(١).
ثالثًا: ومما يدل على أن الشرك يتضمن التنقيص والهضم لحق الإلهية وجلال الربوبية اشتماله على الظلم العظيم، والمنكر الفاحش بتشبيه الرب العظيم القادر، والخالق العليم القاهر بالمخلوق الضعيف الحقير الذي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن أن يملكه لغيره،