للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتوجه إليه بالعبادة، وصرف له خالص الذل والإنابة، فدعاه عند حاجته، واستنجده عند كربته.

يقول الإمام ابن القيم: "والمقصود أن الشرك لما كان أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأنكر المنكرات كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى، وأكرهها، وأشدها مقتًا لديه، ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه، وأخبر أنه لا يغفره، وأن أهله نجس، ومنعهم من قربان حرمه، وحرم ذبائحهم، ومناكحتهم، وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين، وجعلهم أعداء له سبحانه، ولملائكته ورسله وللمؤمنين، وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم، وأن يتخذوهم عبيدًا؛ وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين ... فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الشرك؛ فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به، ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده" (١).

رابعًا: الأدلة الدالة على أن سوء الظن، أو الظن السيء يتضمن الشرك الأكبر بالله العظيم، بل هو أعظم إساءة ظن وجدت من بني البشر، فما من مشرك على ظهر البسيطة إلَّا وسوء الظن بالله تعالى هو الذي أوقعه فيما وقع فيه من التشريك في عبادة الرب تبارك وتعالى، ولو أحسن ظنه بالله، وأسمائه، وصفاته، وعظمته، وملكه وغناه عن كل أحد بذاته، وكل أحد سواه فقير إليه بذاته، وقَدَرَ الله حق قدره لما حام حول الشرك ولا شم رائحته.

قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦)} [الفتح: ٦]، فجعل سبحانه وتعالى استحقاقهم للوصف بالشرك


(١) إغاثة اللهفان (١/ ٦٠ - ٦١).