للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعليه فحسن الظن به سبحانه وتعالى من أعظم العبادات، وأجلّ القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه وخالقه عز وجل، والتي تقوم في الأصل على العلم الشرعي الصحيح، والفقه السليم لأسماء الله وصفاته، ومعرفته تعالى المعرفة الحقة في ربوبيته وألوهيته، وسائر صفاته.

كما أن سوء الظن بالله من نتاج وآثار الجهل بالله، وبأسمائه وصفاته، وما له من العظمة، والكبرياء، والقوة، والقدرة، ومنتهى الكمال في كل شيء.

ولذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" (١).

قال الجصاص: "فحسن الظن بالله فرض، وسوء الظن به محظور منهي عنه، وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور مزجور عنه، وهو من الظن المحظور المنهي عنه" (٢).

وهذا يدل على أن حسن الظن من العبادة التي يحبها الله تبارك وتعالى، وقد روي في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حسن الظن بالله عز وجل من حسن عبادة الله" (٣).


(١) صحيح مسلم (٤/ ٢٢٠٦)، برقم (٢٨٧٧)، يقول الإمام النووي: "ومعنى يحسن الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه، ويرجو ذلك، ويتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته، وما وعد به أهل التوحيد، وما ينشره من الرحمة لهم يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح: "أنا عند ظن عبدي بي" هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء". [المجموع شرح المهذب (٥/ ٩٨)].
(٢) أحكام القرآن للجصاص (٥/ ٢٨٨).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٢/ ٢٩٧)، برقم (٧٩٤٣)، وأبو داود في سننه (٤/ ٢٩٨)، برقم (٤٩٩٣)، وابن حبان في صحيحه (٢/ ٣٩٩)، برقم (٦٣١)، ومحمد بن نصر المروزي في: (تعظيم قدر الصلاة): (٢/ ٧٨٧)، والحاكم في المستدرك =