والمتأمل لما سبق يجد أن سوء الظن بالله تعالى منه ما يصل إلى درجة الشرك والكفر بالله العظيم، ويخرج المسلم عن دائرة الإسلام، ومنه ما يعتبر شركًا أصغر ومعصية عظيمة، وكل ذلك بحسب العلم والاعتقاد الدافع والمولد لسوء الظن بالله جل وعلا، وبحسب قوة سوء الظن وكثرته واستمراره، أو كونه ضعيفًا قليلًا مترددًا كالخطرات التي تختلج القلوب فيدفعها القلب، ويصدها بحسب قوة إيمانه ويقينه ومعرفته بالله تعالى وبأسمائه وصفاته.
يقول الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- مبينًا بعض أنواع سوء الظن: "فالذي يخالف ما أمر الله -جل وعلا- به شرعًا فيما يتصل بنصرة الدين، فإنه يقع في سوء ظن بالله جل جلاله وهذا مما ينافي كمال التوحيد الواجب.
ولهذا يجب على المؤمن أن يتحرز كثيرًا، وأن يحترس من سوء الظن بالله -جل وعلا-، فإن بعض الناس قد ينال الشيء فيرى أنه يستحق أكثر منه، وقد يحصل له الشيء بقضاء الله وبقدره فيظن أنه لا يستحق ذلك الشيء (١)، أو أن الذي ينبغي أن يصاب به هو غيره، فينظر إلى فعل الله -جل وعلا- وقضائه وقدره على وجه الاتهام، وقلَّ من يَسْلَم باطنًا وظاهرًا من ذلك، فكثيرون قد يَسْلَمون ظاهرًا، ولكن في الباطن يقوم بقلوبهم ظن الجاهلية، ... والظن محله القلب، فلهذا يجب على المؤمن أن يخلّص قلبه من كل ظن بالله غير الحق، وأن يتعلم
(١) لكن إذا ساق الله إليه خيرًا عظيمًا وفضلًا جزيلًا فاعتقد أنه لا يستحق ذلك من أجل نقص في عمله أو لتقصير في طاعته، وإنما هو محض فضل الله وكرمه فلا شيء في ذلك، بل هذا هو الواجب على المسلم؛ وهو إساءة الظن بالنفس وبالعمل بكونه ناقصًا وغير كامل، يؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي: "فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". [صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (٤/ ١٩٩٤) برقم (٢٥٧٧)].