للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأنها إذا كانت لا تصير أصنامًا إلا بنحتكم لها فأنتم أيضًا لن تكونوا على ما أنتم عليه من الصور والهيئات إلا بفعلي، وإني مع خلقي لكم وما تنحتونه خالق لنحتكم، إذ كنت أنا المُقْدِرُ لكم عليه، والمُمَكِّنُ لكم منه" (١).

وفي علة كونه سبحانه جمع في الآية بين خلقه لآلهتهم وخلقه للعابدين وما يعملون يقول الإمام ابن القيم: "قيل في ذكر خلقه سبحانه لآلهتهم ولعابديها من بيان تقبيح حالهم، وفساد رأيهم وعقولهم في عبادتها دونه تعالى ما ليس في الاقتصار على ذكر خلق الآلهة فقط؛ فإنه إذا كان الله تعالى هو الذي خلقكم، وخلق معبوديكم فهي مخلوقة أمثالكم، فكيف يعبد العاقل من هو مثله، ويتألهه، ويفرده بغاية التعظيم والإجلال والمحبة، وهل هذا إلا أقبح الظلم في حق أنفسكم، وفي حق ربكم.

وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: ١٩٤]، ومن حق المعبود أن لا يكون مثل العابد؛ فإنه إذا كان مثله كان عبدًا مخلوقًا، والمعبود ينبغي أن يكون ربًّا خالقًا، فهذا من أحسن الاحتجاج وأبينه" (٢).

ويزيد الإمام ابن كثير الأمر بيانًا بقوله في معنى الآيات: "أي: كيف تعبدون أصنامًا أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة، وتصورونها وتشكلونها كما تريدون، ... فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون، وهذه الأصنام مخلوقة، فكيف يعبد مخلوق لمخلوق مثله، فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم، وهذا باطل، فالآخر باطل للتحكم؛ إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له" (٣).


(١) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٩٧ - ١٩٨).
(٢) بدائع الفوائد، لابن القيم (١/ ١٥٨ - ١٥٩).
(٣) البداية والنهاية، لابن كثير (١/ ١٤٥).