للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريق الأنبياء، فأهملت هذا الجانب العظيم، فلم تأمر بالتوحيد ولم تنه عن الشرك، ثم هم بعد ذلك ضروب وأصناف؛ فمنهم من انشغل بالسياسة والجري وراء المناصب، ومنهم من صار جلَّ اهتمامه، الانشغال عن التوحيد بشيء من فروع الإسلام، ومنهم من يدعو إلى نفسه أو شيخه وحزبه وجماعته، وغير هؤلاء كثير، فمن جعل أنبياءه ورسله قدوة له فليكن أول ما يدعو إليه الناس هو توحيد اللَّه تعالى وإفراده سبحانه بالعبادة، والتحذير من الشرك صغيره وكبيره.

ثانيًا: أن دين الأنبياء جميعًا دين واحد، وذلك لأن إلههم ومعبودهم واحد أحد، فرد صمد، فوحدة الدين تابعة لوحدة المعبود، إذ لو كان هناك إلهان لكان هناك حتمًا ولا بد دينان، ولذهب كل إله بدينه وعابديه.

يقول الإمام ابن تيمية -رَحِمَه اللّه- في تفسير سورة الإخلاص: "فدين اللَّه واحد لا تفرق فيه، والصمد يناسب اجتماعه، فاللّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو الإله الواحد، ودينه واحد، وعباده المؤمنون مجتمعون يعتصمون بحبله غير متفرقين، واسمه الأحد يقتضي التوحيد والصمد يقتضي الاجتماع وعدم التفرق؛ فإن الصمد فيه معنى الاجتماع وعدم التفريق، والتوحيد أبدًا قرين الاجتماع؛ لأن الاجتماع فيه الوحدة والتفرق لا بد فيه من التثنية والتعدد كما أن الإشراك مقرون بالتفرق" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "والمقصود أن الطريق إلى اللَّه واحد، فإنَّه الحق المبين، والحق واحد مرجعه إلى واحد، وأما الباطل والضلال فلا ينحصر بل كل ما سواه باطل، وكل طريق إلى الباطل فهو باطل، فالباطل متعدد وطرقه متعددة ... ، ومن هنا يعلم تنوع الشرائع واختلافها مع رجوعها كلها إلى دين واحد مع وحدة المعبود ودينه" (٢).


(١) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٣١٠).
(٢) طريق الهجرتين (ص ٢٧٨ - ٢٧٩).