للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعرفون صحتها من نفوسهم لا يحتاجون فيها إلى غيرهم، ومن أبلغ الحجاج أن يأخذ الإنسان من نفسه، ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندها، معلوم لها: فقال: هل لكم مما ملكت أيمانكم من عبيدكم، وإمائكم شركاء في المال والأهل؛ أي: هل يشارككم عبيدكم في أموالكم وأهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء، تخافون أن يقاسموكم أموالكم، ويشاطروكم إياها، ويستأثرون ببعضها عليكم، كما يخاف الشريك شريكه، ... فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي، فإن كان هذا الحكم باطلًا في فطركم وعقولكم مع أنه جائز عليكم، ممكن في حقكم؛ إذ ليس عبيدكم ملكًا لكم حقيقة، وإنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، وأنتم وهم عبيد لي، فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي، مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي" (١).

٢ - وقوله سبحانه: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩)} [الزمر: ٢٩].

يقول الإمام ابن القيم: "ضرب الله الأمثال في القرآن، وذَكَّرَ العقول، ونَبَّهَهَا وأرشدها إلى ذلك؛ كقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}: فهذا مثل ضربه يتضمن قياس الأولى؛ يعني: إذا كان المملوك فيكم له مُلاك مشتركون فيه، وهم متنازعون، ومملوك آخر له مالك واحد، فهل يكون هذا وهذا سواء، فإذا كان هذا ليس عندكم كمن له رب واحد، ومالك واحد، فكيف ترضون أن تجعلوا لأنفسكم آلهة متعددة تجعلونها شركاء لله، تحبونها كما يحبونه، وتخافونها كما يخافونه، وترجونها كما يرجونه" (٢).


(١) إعلام الموقعين (١/ ١٥٩ - ١٦٠).
(٢) مفتاح دار السعادة، لابن اليم (٢/ ٧٦).