هذه الآية من البراهين العقلية التي أرشد إليها القرآن، ونبه عليها، وقد تضمنت الدلالة على حسن التوحيد وقبح الشرك، وأن ذلك مستقر في العقول والفطر، وجاء بعد ذلك الوحي مؤيدًا لما قررته العقول، وتقبلته الفطر.
يقول الإمام ابن القيم في معنى المثل:"فضرب لهم سبحانه مثلًا من عقولهم يدلهم على قبح عبادتهم لغيره، وإن هذا أمر مستقر قبحه وهجنته في كل عقل، وإن لم يرد به الشرع، وهل في العقل أنكر وأقبح من عبادة من لو اجتمعوا كلهم لم يخلقوا ذبابًا واحدًا، وإن يسلبهم الذباب شيئًا لم يقدروا على الانتصار منه، واستنقاذ ما سلبهم إياه، وترك عبادة الخلاق العليم القادر على كل شيء، الذي ليس كمثله شيء، أفلا تراه كيف احتج عليهم بما ركبه في العقول من حسن عبادته وحده، وقبح عبادة غيره"(١).
ويزيد رحمه الله المثل إيضاحًا وبيانًا فيقول: "حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه؛ وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده، وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف ما هو أكبر منه، ولا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئًا مما عليهم من طيب ونحوه، فسيتنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سلبهم إياه،