للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله، وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك، وتجهيل أهله، وتقبيح عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة، حيث أعطوا الإلهية التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات، والإحاطة بجميع المعلومات، والغنى عن جميع المخلوقات، وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإجابة الدعوات، فأعطوها صورًا وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الآلهة الحق، وأذلها، وأصغرها، وأحقرها، ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه" (١).

ويقول ابن كثير في الآية: "أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو سلبتهم الذبابة شيئًا من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذه منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر" (٢).

ولذا يقول الإمام الطبري رحمه الله بعد أن ساق تفسير الآية: "وإنما أخبر جل ثناؤه عن الآلهة بما أخبر به عنها في هذه الآية من ضعفها ومهانتها تقريعًا منه بذلك عبدتها من مشركي قريش، يقول تعالى ذكره: كيف يجعل مثل في العبادة، ويشرك فيها معي ما لا قدرة له على خلق ذباب، وإن أخذ له الذباب فسلبه شيئًا عليه لم يقدر أن يمتنع منه، ولا ينتصر، وأنا الخالق ما في السماوات والأرض، ومالك جميع ذلك، والمحيي من أردت، والمميت ما أردت، ومن أردت" (٣).


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم (١/ ١٨١).
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٢٧٧)، وانظر: (٣/ ٢٣٦).
(٣) تفسير الطبري (١٧/ ٢٠٣).