للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالعبودية درجات، منها: عبودية الشرك الأصغر، ومنها عبودية الشرك الأكبر، فالذي يشرك بغير الله الشرك الأكبر هو عابد له، كأهل الأوثان، وعبدة الأصنام، وعبدة الصليب، وكذلك من يعمل الشرك الأصغر، ويتعلق قلبه بشيء من الدنيا فهو عابد لذلك، يقال: عبد هذا الشيء؛ لأنه هو الذي حرك همته، فهذا الذي حركته همته للدنيا وللدينار وللدرهم عبد لها؛ لأن همته معلقة بتلك الأشياء، وإذا وجد لها سبيلًا تحرك إليها بدون النظر هل يوافق أمر الله أم لا يوافق أمر الله وشرعه (١).

فالذي يعمل العبادة لله طمعًا في ثواب الدنيا ولا هم له في الآخرة كان فيه من الشرك الأصغر بحسب تعلقه؛ أما من كانت إرادته للدنيا أصلًا وقصدًا وتعلقًا وهمة وتحركًا، فعمل من أجل الدنيا ولم يتحرك قلبه بإرادة الله تعالى والدار الآخرة، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب، وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن؛ فإن المؤمن ولو كان ضعيف الإيمان، فلا بد أن يريد الله والدار الآخرة، بل هو من أعمال الكافرين الخارجين عن ملة الإسلام جملة وتفصيلًا، وفيهم نزل قوله سبحانه وتعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)} [هود: ١٥، ١٦] (٢).

خامسًا: ومما يدخل في حكم القاعدة مسألة الرياءء وهو بكسر الراء وتخفيف التحتانية والمد، وهو مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها (٣)، فهو ما يفعل طاعة لله ليراه الناس، ولا يكتفي فيه برؤية الله سبحانه وتعالى (٤).


(١) انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص ٤١٠).
(٢) انظر معناه في: القول السديد في مقاصد التوحيد، للسعدي (ص ١٣٠)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد، للشيخ صالح آل الشيخ (ص ٤٠٥).
(٣) انظر: فتح الباري (١١/ ٣٣٦).
(٤) انظر: مرقاة المفاتيح (٩/ ٥٠٠).