للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعًا: ومن ذلك إرادة الإنسان بعمله الدنيا، فهو يعمل العمل لله تعالى ولكنه يريد به ثواب الدنيا، فقلبه متعلق بالمال والبنين، ولذا وصفه -صلى الله عليه وسلم- في الحديث بكونه عابدًا للدينار والدرهم فعن أبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وعبْدُ الدِّرْهَمِ وعبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطيَ رَضِيَ وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وانْتَكَسَ وإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ ... " (١).

يقول الإمام ابن تيمية في كلامه على الحديث: "وكذلك من غلب عليه الثقة بجاهه وماله، بحيث يكون عنده مخدومه من الرؤساء ونحوهم، أو خادمه من الأعوان والأجناد ونحوهم، أو أصدقائه، أو أمواله هي التي تجلب المنفعة الفلانية، وتدفع المضرة الفلانية، فهو معتمد عليها، ومستعين بها، والمستعان هو مدعو ومسؤول.

وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة، فمن اعتمد عليه القلب في رزقه ونصره ونفعه وضره خضع له وذل، وانقاد، وأحبه من هذه الجهة، وإن لم يحبه لذاته لكن قد يغلب عليه الحال حتى يحبه لذاته، وينسى مقصوده منه، كما يصيب كثيرًا ممن يحب المال، أو يحب من يحصل له به العز والسلطان " (٢).

فسمى هؤلاء الذين إن أعطوا رضوا وإن منعوا سخطوا عبيدًا لهذه الأشياء؛ لانتهاء محبتهم ورضاهم ورغبتهم إليها، فإذا شغف الإنسان بمحبة المال، أو الصور، أو الدنيا، وتعلق قلبه لغير الله بحيث يرضى وصول ذلك إليه، وظفره به، ويسخطه فوات ذلك كان فيه من التعبد لها والعبودية بقدر ذلك (٣).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: الحراسة في الغزو في سبيل الله (٣/ ١٠٥٧)، برقم (٢٧٣٠).
(٢) مجموع الفتاوى (١/ ٣٥ - ٣٦).
(٣) انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (٢/ ١٤٩).