للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلًا كإفضاء شرب الخمر إلى السكر، وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه، أو كان الشيء نفسه فسادًا؛ كالقتل، والظلم، فهذا ليس من هذا الباب، فإنا نعلم إنما حرمت الأشياء لكونها في نفسها فسادًا، بحيث تكون ضررًا لا منفعة فيه، أو لكونها مفضية إلى فساد، بحيث تكون هي في نفسها فيها منفعة، وهي مفضية إلى ضرر أكثر منها" (١).

ويقول القرطبي: "والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع" (٢).

ويقول الإمام محمد بن جزي (٣) الغرناطي المالكي: "وأما سد الذرائع فمعناه: حسم مادة الفساد بقطع وسائله" (٤).

فالذريعة في الأصل مباحة لكن يتوصل بها إلى المحرم، فنهى الشارع عن هذا المباح خوفًا من أثره، وهو الوصول إلى المحرم والفساد.

يقول الإمام الشاطبي: "وقد منع الله أشياء من الجائزات لإفضائها إلى الممنوع" (٥).

وعليه فمعنى سدّ الذّريعة: حسم مادّة وسائل الفساد وسد بابها دفعًا


(١) الفتاوى الكبرى (٣/ ٢٥٦).
(٢) تفسير القرطبي (٢/ ٥٧ - ٥٨).
(٣) هو: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي، كنيته أبو القاسم، ولد سنة ٦٩٣ هـ، كان رحمه الله نابغة زمانه في مختلف العلوم الإسلامية، من مؤلفاته: التسهيل لعلوم التنزيل، وتقريب الوصول إلى علم الأصول، والأنوار السنية، والقوانين الفقهية في تلخيص المالكية، وغيرها، توفي سنة ٧٤١ هـ. [ترجمته في: الديباج المذهب (ص ٢٩٥)، ومقدمة كتاب: تقريب الوصول بتحقيق: محمد المختار الشنقيطي (ص ٢٣ - ٥٠)].
(٤) تقريب الوصول إلى علم الأصول (ص ٤١٥)، وقيل هي: المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويتوصل بها إلى فعل المحظور. [المصدر نفسه].
(٥) الموافقات (٤/ ٢٦٤).