قصد المؤمن خيرًا؛ لكنه تشبه، ففعله في الظاهر فعلهم، وكما نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لئلا تشابه المشركين الذين يسجدون للشمس حينئذٍ، وإن كان المؤمن لا يخطر بباله شيء من ذلك بالكلية، وهكذا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)} [البقرة: ١٠٤]، فكان الكفار يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- كلامهم معه (راعنا)؛ أي: انظر إلينا ببصرك، واسمع كلامنا، ويقصدون بقولهم:(راعنا) من الرعونة: فنهى المؤمنين أن يقولوا ذلك، وإن كان لا يخطر ببال أحد منهم هذا أبدًا ... فليس للمسلم أن يتشبه بهم؛ لا في أعيادهم، ولا مواسمهم، ولا في عباداتهم؛ لأن الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء، الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل، الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة، وعيسى ابن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حين لم يكن لهما شرع متبع، بل لو كانا موجودين، بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة، فإذا كان الله تعالى قد من علينا بأن جعلنا من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلُّوا من قبل، وأضلوا كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل، قد بدَّلوا دينهم، وحرّفوه، وأوَّلوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولًا، ثم هو بعد ذلك كله منسوخ، والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلًا ولا كثيرًا، ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية" (١).
سادسًا: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة -رضي الله عنهم- عن التشريك في اللفظ بين الله وبين عباده؛ سواء في مخاطبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو في التخاطب فيما بينهم؛ وذلك سدًّا لذريعة التشريك في المعنى والاعتقاد.