للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غضاضة، ولو كانت قربة وطاعة؛ لأن مفسدتها راجحة، وليس فيها مصلحة راجحة، والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة، أو الراجحة، وهذه ليس فيه مصلحة راجحة، بل إما أن يكون مفسدة محضة، أو مفسدة راجحة وكلاهما غير مشروع (١).

يقول الإمام ابن عبد الهادي: "وكيف يقاس على الزيارة التي لا يتعلق بها مفسدة البتة، بل هي مصلحة محضة الزيارة التي يخشى بها أعظم الفتنة، وتتخذ وسيلة إلى ما يبغضه المزور، ويكرهه، ويمقت فاعله، حتى لو كانمت الزيارة من أفضل القربات، وكانمت ذريعة ووسيلة إلى ما يكرهه المزور ويبغضه لنهي عنها طاعة له، وتعظيمًا، ومحبة، وتوقيرًا، وسعيًا في محابه، كما نهي عن الصلاة التي هي قربة إلى الله في الأوقات المخصوصة؛ لما يستلزمه من حصول ما يكرهه الله، ويبغضه، ولم يكن في ذلك إخلال بتعظيم الله، بل هذا عين تعظيمه وإجلاله وطاعته، فتأمل هذا الموضع حق التأمل؛ فإنه سر الفرق بين عباد القبور وأهل التوحيد" (٢).

رابعًا: ومما استعمل فيه أهل العلم قاعدة (سد الذرائع) لسد الطرق المفضية إلى الشرك ووسائله ما فعله المسلمون حيال حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعلية الحيطان، وإحاطتها بالجدر الثلاثة، وسد جميع المنافذ المؤدية إليها، كل ذلك سدًّا لذريعة الغلو والمبالغة في ذلك المؤديان إلى الشرك بالله العظيم، واتخاذه ندًّا مع الله تبارك وتعالى، وسدًّا لذريعة اتخاذ قبره قبلة، وغير ذلك.

يقول الإمام القرطبي: "ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١/ ١٩٤).
(٢) الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص ٤٥٧).